قال ابن قيم الجوزية :
يكمل الخشوع بتصفية الوقت من مراءاة الخلق , وتجريد رؤية الفضل , فيخفى احواله عن الخلق جهده , كخشوعه وذله وانكساره , لئلا يراها الناس فيعجبه اطلاعهم عليها ورؤيتهم لها . فيفسد عليه وقته وقلبه وحاله مع الله , وكم قد اقتطع في هذه المفازة من سالك , والمعصوم من عصمه الله . فلا شيء انفع للصادق من التحقق بالمسكنة والفاقة والذل , وأنه لا شيء .
ولقد شاهدت من شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه , من ذلك أمرا لم اشاهده من غيره . وكان يقول كثيرا : مالي شيء , ولا مني شيء , ولا في شيء , وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت :
انا المكدي وابن المكدي وهكذا كان ابي وجدي
وكان اذا اثنى عليه في وجهه يقول : والله اني الى الآن أجدد إسلامي كل وقت , وما اسلمت بعد إسلاما جيدا
وبعث الي في اخر عمره قاعدة في التفسير بخطه . وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه :
أنا الفقير الى رب البريــات ..........أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ......والخير إن يأتينا من عنده يأتـي
لا أستطيع لنفسي جلب منفــعة .......ولا عن النفس لي دفع المضرات
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا .....كما الغنى أبدا وصف له ذاتــي
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ......وكلـهم عنده عبد له أتــــي
تهذيب مدارج السالكين ( 277)